هل يصح أن تتحدثي عن الأمراض النفسية في مكان العمل ؟

هل يعتبر الحديث عن الأمراض النفسية في أماكن العمل عيبًا؟

لم يعد الحديث عن الأمراض النفسية في مكان العمل عيبًا، فربما أصبح المكتب الذي تعمل به هو المكان المناسب للحصول على المساعدة المطلوبة. ومن الطبيعي أن تكون المشاكل الشائعة عند عامة الناس شائعة أيضا في مكان العمل. فقد أظهرت دراسة أخيرة أن حوالي ثلاثة من كل عشرة موظفين سوف يعانون من مشكلة في الصحة النفسية في كل عام. وهذا يقلل من انتاجهم في العمل، ويزيد من نسبة الاجازات المرضية والحوادث.

أصبح الحديث عن المتاعب النفسية في مكان العمل أمرًا عاديًا ومألوفًا

قصص واقعية:

نسوق هنا قصة السيدة جوليا لوكاتش ذات الـ36 عامًا والتي تعمل في مجال التسويق الإلكتروني في إحدى الشركات في سان فرنسيسكو بالولايات المتحدة؛ عانت السيدة لوكاتش من أعراض الاكتئاب ثنائي القطب للمرة الأولى في عام 2009 وللمرة الثانية في 2012، تقول لوكاتش أنها بعد ذلك بعامين لاحظت أعراض
الاكتئاب على نفسها مثل قلة النوم وانعدام الشهية للطعام والقلق المتزايد. بدافع من وعيها بحالتها النفسية، أبلغت جوليا رئيستها في العمل وأخبرتها بإمكانية أن تعمل من المنزل وتتواصل مع جهة عملها عبر الإيميل.
وبلمسة وفاء من المديرة، طلبت من لوكاتش أن تعتني بنفسها وظلت تتابع معها حالتها النفسية بعيدًا عن كونها تستطيع الاستمرار في العمل أم لا. والطريف أن جوليا لا تزال على علاقة قوية برئيستها وتمت ترقيتها إلى درجة مدير في العمل فيما بعد.

الموظف ما هو إلا إنسان مثقل بالهموم والمتاعب

لم يكن هذا السيناريو ممكنًا قبل عشرين عامًا، حيث كان مجرد الحديث عن الأمراض النفسية في مكان العمل اعترافًا بضعف هذا الموظف أو وصفه بأنه غير جدير بالثقة. تقول احدى الخبيرات وتدعى دارسي جروتادارو أنه في الماضي، لم يكن الناس يأخذون المسائل النفسية على محمل الجد، ولا يتعاطفون مع أصحابها حيث كانت المرأة تحديدًا في الماضي تخجل من الحديث عن متاعبها أو معاناتها النفسية مع زملائها أو رؤساءها في العمل، فقد كان الجميع يتحاشى الحديث عن الأمراض النفسية في مكان العمل.

بداية التحول

أما اليوم فهناك الآلاف بل الملايين مثل لوكاتش يضعون حالتهم النفسية في المقدمة، كما بدأت شركات كثيرة تتجاوب مع تلك الحالات وتمد إليها يد المساعدة عن طريق عدة وسائل مثل: مجموعات العلاج، وجعل مواعيد الاجتماعات مفتوحة مع عدم التقيد بموعد محدد

بدأت العديد من المؤسسات والشركات التجاوب مع حالة الموظفين النفسية بل ومد يد المساعدة إليهم

مراعاة لمتاعب الموظفين والموظفات ومعاناتهم الخاصة، مع إتاحة بعض الملاحظات حول مضادات الاكتئاب ومقارنتها بين الزملاء لمعرفة أيها أفضل.

جاء هذا التحول على فترات متقطعة؛ حيث تم سن قانون لصالح الأمريكيين من ذوي الإعاقات المختلفة عام 1990 حيث أصبح من غير القانوني لأصحاب الشركات والأعمال أن يقوموا بالتمييز ضد العاملين والموظفين المؤهلين ولكن يعانون من إعاقة ما؛ بما فيها “المتاعب النفسية والعقلية”، ثم توالت الإجراءات التي اتبعتها الشركات لحماية حق الموظف الذي يعاني من المتاعب النفسية، وبالتدريج أصبح الحديث عن الأمراض النفسية في مكان العمل شيئا لا يشين صاحبه ولا يعيبه، لدرجة أن الكونجرس الأمريكي أقر قانونًا يستلزم وجود خطط صحية لمجموعات العمل وشركات التأمين التي يتوجب عليها منح تغطية تأمينية خاصة للصحة النفسية وعلاج الإدمان لمنح مزايا مقارنة بما كانت تقدمه تلك الشركات للأمراض الجسمانية أو حالات الجراحة.
من الحقائق التي لابد من الالتفات إليها أن اضطرابات المزاج أو المتاعب النفسية بوجه عام لا يقتصر تأثيرها على الموظف وحسب، ولكن يمتد إلى الشركة التي ينتمي إليها أيضًا. يكفي أن تفكر أنه اعتبارًا من عام 2010 أصبح الاكتئاب الشديد يكلف الشركات الأمريكية ما يقرب من 43 مليار دولار سنويًا من جراء الغياب في أيام العمل وقلة الإنتاجية بشكل ملحوظ، حيث أظهرت دراسة حديثة أنه كلما اشتد اكتئاب الموظف كان أكثر تكلفة على صاحب العمل!

نماذج إيجابية ومشرفة:

ومن النماذج الإيجابية في هذا الإطار شركة Ernst & Young وهي مؤسسة خدمات مهنية معروفة حيث وقعت حادثة منذ نحو عشر سنوات مضت عندما بدأت إحدى الموظفات وتدعى راشيل جيرنج تعاني من ما يعرف بـ postpartum depression أي اكتئاب ما بعد الولادة وكانت من كبار المديرين، فبدأت تتجنب الاجتماعات وتنزوي في مكتبها لتبكي فما كان منها إلا أن اتصلت ببرنامج المساعدة الموجود بالمؤسسة وهو معني بربط الموظفين بالمستشارين المتخصصين في مختلف الحالات، وسرعان ما قررت جيرنج بهدوء الانسحاب من العمل لأخذ أجازة وهي شبه متأكدة أن هذه الخطوة ستكون بمثابة نهاية لمشوارها المهني. ولكن هذا لم يحدث فقد استمرت في العمل بعدها بفترة وترقت في المنصب حتى أصبحت شريكة في المؤسسة العملاقة، بل وشاركت في أحد الندوات حول الصحة النفسية لتحكي أمام زملاءها ما مر بها وكيف تلقت المساعدة الكافية من الفِرق المكلفة بذلك، مؤكدة بذلك أن الحديث عن الامراض النفسية في مكان العمل لم يعد عيبًا أو جريمة يخجل المرء منها، بل تجربة ثرية يفخر المرء بالإعلان عنها للزملاء بغرض عرض الخبرات المشتركة، وذلك حتى تعم الفائدة ويطمئن العاملون أن مؤسساتهم لن تتخلى عنهم في أحلك الظروف.

مصدر oprah.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.