محمد عبد الخالق يكتب لمجلة حرة مقال جديد بعنوان “الجملة التي تربعت على عرش أكاذيب الأصدقاء”

مَنْ منا لم يستمع لعبارة: “خمس دقايق وأكون عندك” في مكالمة تليفونية بينه وبين صديق، ينتظره في موعد، مرة واحدة على الأقل؟

يٌعرف مدى تحضر الشعوب والمجتمعات ويقاس بمدى احترام مواعيدها، فالوقت هو السلعة الأندر على الإطلاق، إهداره والتقليل من قيمته وعدم احترامه جريمة لا يعرف مدى الخسارة منها سوى إنسان متحضر يعي قيمته وأهميته وماذا يمكن أن يحقق فيه، أما غير ذلك فلا أظنهم يعرفون قيمة الوقت إلا بعد الموت.

رغم أن ثقافتنا العربية تقدر الوقت وتثمن الاهتمام به واحترامه، لدرجة تصل –نظريا- حد التقديس، فإن الحقيقة الصادمة والمؤسفة إن العرب، أبناء الحضارة التي يمكنك أن ترصد فيها بكل سهولة ما يزيد عن 28 حكمة مختلفة ومثلهم أمثالا شعبية، ومئات أبيات الشعر عن أهمية الوقت، أقل شعوب العالم احتراما له.

محاولة البحث عمن يتحمل مسئولية الآخر وطرح أسئلة من نوعية: هل تأخر المجتمعات يعلم أبنائها عدم احترام المواعيد؟ أم عدم احترام المواعيد هو الذي يسبب تأخر المجتمعات؟ يشبه تماما سؤال: “البيضة الأول أم الفرخة؟” فثقافة إهدار الوقت سببا ونتيجة في تراجع المجتمعات وسوء أحوالها، من الأشياء التي يمكن أن تبدأ منها وتنتهي إليها كل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية والعلمية.

فالمجتمع المتأخر الذي تلمس فيه روح التخلف، يشجع أفراده على “رزيلة” عدم احترام المواعيد، فلا شيء جاد، ولا شيء يستحق … ومن جهة أخرى عدم احترام المواعيد -بالتأكيد- سببا أساسيا فيما تصل إليه المجتمعات من تخلف وتراجع في ركب الإنسانية الذي يسير بسرعته القصوى.

لست بحاجة لسرد نصائح عن قيمة الوقت، أو ضرب أمثلة أو الاستشهاد بأبيات شعرية وحكم ومواعظ وآيات قرآنية لإقناع القارئ عن قيمة وأهمية الوقت، فنحن نكتب ونقرأ في وعن هذا الموضوع منذ طفولتنا، لكن ما قصدته هو إطلاق تحذير ربما يكون الأخير.

ولو كانت هذه الرزيلة شائعة في مجتمعنا العربي، فإني على ثقة في محاربة هذه قدرة الأجيال الشابة الجديدة -التي انفتحت على الحضارات والثقافات المختلفة بقوة لم تتوفر لغيرها من الأجيال السابقة- على إنهاء هذه العادة الذميمة والقضاء عليها، وأراهن على جيل جديد هو الأكثر تمردا وتطلعا في محو هذا العار الذي لا يليق أن يصمنا بعد الآن.

ففي الزمن الذي أصبحت الثانية فيه مدة زمنية طويلة، تشهد أحداثا جساما، كما كشف لنا الدكتور أحمد زويل عندما تمكن من تقسيمها لملايين الأجزاء، لنا أن نتخيل كم نحن مسرفون ومفرطون في نعمة الوقت التي وهبنا الله إياها، وأكيد سيسألنا عنها.

فهل بعدما تعرف أن النسبة بين “الثانية” و”الفيمتو ثانية” كالنسبة بين الثانية و32 مليون سنة، لا تزال بحاجة لأحد كي يحدثك عن أهمية الوقت؟!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.