هل التعب أو الإرهاق المزمن مرضاً حقيقياً أم وهماً نفسياً؟

ترجمة واعداد / أمل كمال

تعد متلازمة التعب المزمن من أكثر الأوضاع المزعجة في العالم والمثيرة للحيرة في آن واحد حيث يصيب هذا المرض حوالي مليون أمريكي وما يقرب من 2,6 من عدد سكان العالم. تسبب هذه المتلازمة حالة من الإرهاق الشديد الذي يعيق المرضى عن العمل أو الدراسة.

لعقود خلت، ظل الباحثون يحاولون معرفة السبب الكامن وراء إصابة الإنسان بالإرهاق الشديد مما حدا بالأطباء للتوصل إلى فرضية مفادها أن التعب “ليس مرضاً حقيقاً”. ولكن الباحثين الاستراليين كان لهم رأي آخر حين قاموا بتفنيد هذه الخرافة مبينين بالدلائل العلمية كيف ترتبط  متلازمة التعب المزمن بمستقبلات خلية معتلة في الخلايا المناعية.

هل الخلايا المناعية هي السبب؟

يقول العلماء أن هذا الاكتشاف العلمي يحمل أخباراً عظيمة لكل المصابين بمتلازمة التعب المزمن وما يرتبط به من التهاب الدماغ والنخاع الشوكي المصحوب بالألم العضلي، إذ انه يؤكد ما ذكره الأشخاص الذين يعانون من هذه الأعراض وكيف انها مرض حقيقي وليست مسألة نفسية.

تعتبر متلازمة التعب المزمن والتهاب الجهاز العصبي المركزي أو الدماغ والنخاع الشوكي من الأمراض المعروفة بصعوبة تشخيصها مما أدى إلى وجود أعداد كبيرة من المصابين الذين أمضوا سنوات في البحث عن الرعاية اللازمة والعلاج الناجع دون جدوى. فالبحث الذي قام به العلماء الاستراليون ليس فقط له الفضل الأول في توضيح كيف أن مستقبِل الخلية المصاب بالخلل هو المسبب لتغيرات الجهاز المناعي الواضح في متلازمة التعب المزمن، وانما قام هذا البحث أيضاً بتوفير هدف منشود للباحثين يتمثل في البحث عن أنواع العلاج والاختبارات المستقبلية.

أهم أنواع العلاج

في واقع الأمر أن اكثر أنواع العلاج شيوعاً للحالة هي طريقة العلاج السلوكي المعرفي والتدريبات ولكن لم يثبت أيا منهما قدرته على علاج الحالة أو المساعدة في شفاءها، بل على العكس سجل بعض المصابين أن هذه الطرق كانت تؤدي إلى تدهور الحالة أكثر من شفاءها.

جاء الإنجاز بعد أن قام باحثون في جامعة جريفيث بإدراك الحقيقة العلمية الآتية وهي أن المرضي بمتلازمة التعب المزمن المصحوب بالتهاب الدماغ والنخاع الشوكي من المحتمل جداً أن يكون لديهم تعدد في الأشكال الجينية المفردة  في الشفرة الجينيةلمستقبِل خلايا معين.

يُعرف هذا المستقبِل بأنه من المستقبلاتالمحتملة لمادة الميلاستاتين ويسمى المصطلح اختصاراً بـ (TRPM3) وهي التي تلعب دوراً حيوياً في الخلايا الصحيةألا وهو تحويل الكالسيوم من خارج الخلية إلى داخلها، مما يساعد على التعبير الجيني وانتاج البروتين.

ولكن في أبحاث مناظرة عديدة، ظهر أن هناك خطاً ما في مرضى متلازمة التعب المزمن المصحوببالالتهابات المذكورة فيما يتعلقبمادة الـTRPMالمسئولة عن نقل الكالسيوم إلى داخل الخلية كما ذكرنا سابقاً. في الدراسة الأخيرة، فحص الفريق البحثي عينات الدم لـ15 مريضاً بمتلازمة التعب المزمن وعينات أخرى لـ 25 شخص سليم، فوجدوا أن أداء المستقبِلات في الخلايا المناعية لدىهؤلاء المرضي كان فقير للغاية بالمقارنة بأقرانهم من الأصحاء.وكنتيجة لذلك، فإن أيونات الكالسيوم لم تكن تقوم بها بداخل الخلية كما هو المفروض وهذا معناه أن الخلية لا تؤدي دورها المطلوب.

ومما يزيد الأمر سوءاً هو أن مادة الـ TRPM3ليست موجودة فقط في الخلايا المناعية وإنما يوجد الِمستقبل في كل خلية من خلايا الجسم حسبما يؤكد الفريق العلمي القائم بالدراسة وهو ما يفسر صعوبة تشخيص متلازمة التعب المزمن وارتباطها بالتهاب النخاع الشوكي ومدى قسوتها على المريض.

يمتد هذا الخلل الوظيفي ليصيب كل من الأعضاء التالية: المخ والنخاع الشوكي والبنكرياس وهو ما يوضح كثرة أعراض هذا المرض لدرجة أن المرضى- في بعض الأحيان- يشكون من أعراض أمراض القلب، وفي أحيان أخرى من مشكلات في القناة الهضمية.  تسبب هذا الأمر في حيرة كبيرة للأطباء لعقود طويلة مما أدى إلى تشخيص خاطئ للحالة ولكن الأبحاث الحديثة ترى أن حالات المتلازمة المعروفة يمكن تفسيرها بقنوات أيونات الكالسيوم المعيبة. لقد أصبح العلماء على علم بأن هناك خللاً وظيفياً في مستقبِل هام ودوره الحيوي مما يؤدي إلى مشكلات جادة في خلايا الجسم.

لابد أن نوضح أن البحث العلمي لا يزال في مراحله الأولى- فكل ما نعرفه هو أن مستقبلات مادة TRPM3 ذات الخلل الوظيفي متورطة بشكل ما في الإصابة بهذا المرض، ولكنلا يزال هناك الكثير من العمل لابد أن يتم في هذا المضمار. وخلاصة القول أن المرضى بمتلازمة التعب المزمن ربما يجدون الراحة والشفاء القريب بعد أن كشف العلم الحديث الستار حول هذا العرض المزعج واعترف به العلماء كمرض حقيقي وليس وهماً في أذهان المرضى.

المصدر : Science alert

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.